في هذه المقالة لن أتطرق إلى أهمية الوقت منالناحية النظرية ؛ ولكن سوف يكون حديثي عن جزئية عملية لكيفية التعامل مع الوقت وهيجدولة الوقت ، وأظن الأمر من هذه الناحية مهم؛ لأننا كثير ما نسأل أنفسنا عندانقضاء اليوم، أين ذهب وقتي؟كيف قضيت نهاري؟ لقد كان بودي أنني فعلت كذا ، وتركتكذا ! وفي نهاية اليوم النتيجة : أنا لم أنجز شيئاً يذكر!وكثيراً ما نتسأل:لماذا فلان ينجز في يومه ما لا أستطيع القيام به؟ أليس اليوم بالنسبة لنا متساوياًفالكل يملك 24 ساعة في يومه؟ إن الفرق بين الأشخاص الذين ينجزون هدفاً تلو الآخروبين الأشخاص الذين لا يحققون أهدافهم يكمن بدرجة عالية في عملية تحكمهم في هذهالأربع والعشرين ساعة. ولكي تتحكم في هذه الساعات ، قم بعمل التالي.
عمل قائمة زمنية :لن تقوم بعمل رحلة حتى تعرف إلى أين ستذهب ،وما الطريق الذي سوف تسلكه ، وإلا تهت وضعت ، ولن تصل إلى هدفك ؛ وكذلك تحتاج إلىإيجاد خريطة زمنية مشابهة لتساعدك في إنجاز أهدافك .فإذا أنت لم تخططليومك ، فسوف تصرف وقتك في أشياء غير مجدية ، وتضيع أوقاتك في أمور غير مهمة ، ولنتستطيع تحقيق أهدافك . ولتجنب هذه المشكلة قم بعمل سجل زمني مستمر، استقطع 10 ـ 15دقيقة من آخر اليوم لتخطيط عمل اليوم التالي ، وهنا يجب مراعاة عدةأمور:أولاً: احرص أن يكون كتابة سجل العمل شامل لكل يوم . سجل في هذا السجلبداية ونهاية أي نشاط تريد أن تعمله على أن تكون الفترة الزمنية المخصصة واقعيةومنطقية مع طبيعة المشروع. سجل بهدوء واحرص أن تدون كل شيء ؛ لأن نسيان شيء ما لنيعطيك إنجازاً جيداً ؛ إذ يسبب خللاً في برنامجك اليومي. اعمل أولوية لقائمتك ،واجعل الأكثر أهمية في برنامجك في أفضل الأوقات الإنتاجية لديك ، وعند تزاحمالأوقات قدم عمل الأوليات . اجعل هناك تصنيف لكل مهمة: طويلة الأمد (ط)، قصيرةالأمد (ق) وقدر الوقت الذي تستهلكه في قضاء هذه المهمة فلا تحاول إنجاز كل شيء فيلحظة.ثانياً: في نهاية الأسبوع قم بتحليل ورقتك الزمنية. اكتشف ما الأعمالالتي أدت إلى ضياع وقتك وأعاقتك من إنجاز أهدافك خلال الأسبوع. اسأل نفسك هذهالأسئلة:ما أطول مدة قضيتها في عمل ما؟ما أغلب الأشياء التي تعملعلى إعاقة عملك؟ما الأشياء التي تساعدك على إنجاز أهدافك؟هل كلما دونته كان ضرورياً؟وهل ينبغي عملها الآن أو أن أجدولها في وقتلاحق؟هل يجب عليك القيام بهذه الأعمال أو أنه يوجد شخص آخر يمكن أن يقومبهذه الأعمال أفضل مني؟إن وجود قائمة عمل أمامك محسوسة تستطيع أن تقيم منخلالها نفسك ، هل أنجزت ما أردت أم لا؟ وكم أنجزت من العمل؟ وما الأسباب التي منعتكمن تحقيق ما دونته؟ دون إجاباتك، ثم اعمل خطة لإزالة الأنشطة التي تضيع وقتك. فحددالأشخاص أو الأحداث التي تسرق وقتك حتى تستطيع التحكم والسيطرة على وقتك. ضع الحلولالمناسبة للقضاء على هذه المثبطات القاتلة . وعند إنجازك شيئاً ما احرص على مكافأةنفسك ، وأفضل مكافأة تقدمها لنفسك هو بناء الثقة لديك بأنك قادر على استثمار وقتكوتحقيق كثير من الأشياء.وقد تواجه في بداية عمل قائمة يومية لأعمالك بعضالتحديات مع النفس، وتعويدها على تنفيذ قائمتك اليومية؛ بل الغالب أنك ستفشل فيالبداية أو أنك سوف تحقق قليلاً من أعمالك المدونة، وهذا في الحقيقة ليس فشلاً؛ بلهو بداية النجاح ، فالصعود للقمة يكون خطوة خطوة، ولا يشترط أن تكون كاملاً،فالكمال متعذر ، ولكن يجب أن يكون لديك الكفائية "إن صحت التسمية" ، فهناك فرقبين الكفائية والكمال ، فالكفاح والإصرار من أجل الوصول إلى الكمال هو الكفائية وهوالمطلوب. واحتمال كبير ألا تكون خطتك الزمنية جيدة أو كاملة في البداية، ولكنها لاشك أنها سوف تتحسن مع اكتساب الخبرة. ومن أشد العوائق التي سوف تواجهها في البدايةهو التأجيل ، وهنا سأتكلم عن هذه الآفة المهلكة للأوقات .
اقض على التأجيل:كم نرغب بإنجاز أعمال كثيرة ولكننا نؤجلهادائماً إلى غد فنؤجل العمل ونسوف ، وسوف -كما قال أحد الصالحين - جند من جنودإبليس. ولذا تمر الأيام والشهور ولم نحقق ما أردنا بسبب سوف ، وللقضاء على سوفوخصوصاً إذا كان لديك عمل مشروع كبير ؛ فهنا عليك:أولاً: أن تقسم هذاالمشروع إلى أجزاء صغيرة.ثانياً: اعمل برنامجا زمنيا لتنفيذ أول جزء من هذاالمشروع.ثالثاً: ابدأ مباشرة في العمل.ستلاحظ بعد فترة من الزمن كمهو أمر سهل عمل هذا المشروع. فلن تعرف الملل ولا الإرهاق إذا قسمت المشروع إلىأجزاء صغيرة مع مدى أطول. ولكن هنا شرطاً ضرورياً ومهماً وهو التقييد بالوقت أوالحصة الزمنية المقررة لهذا البرنامج، احرص على الالتزام بالوقت بقدر المستطاع حتىوإن وجدت رغبة ونشاط في الاستمرار فيفضل عدم الاستمرار لأن استمرارك في العمل يعنيأخذ الحصة الزمنية من المشروع اللاحق، وهذا يسبب تداخلاً في الواجبات، وإخفاقاً فيبعض الواجبات الأخرى، فينبغي أن يكون النجاح ليس في مشروع واحد؛ بل يمتد هذا النجاحإلى جميع أعمالك اليومية، ولن يتم هذا إلا بالتقييد ببرنامجك اليومي بقدر المستطاع.إن تأجيلك للعمل بدون مبرر يعني قتل الوقت، وتثبيط الهمة، فالتأجيل عقبة كأداء فيطريق بناء الذات.
هناك عدة أسباب للتأجيل:أولاً: الخوف من الإخفاق:فالشعور بالإخفاق وعدم النجاح يسببتأجيل العمل والتهرب منه ومحاولة إيجاد المعوقات التي تمنع من الاستمرار في العمل،ويزداد هذا الخوف إذا كان هناك تقييم للعمل من الآخرين. فيبدأ في تأجيل العمل حتىيضيق الوقت، وهنا يقول إن الوقت غير كاف، وذلك بدلاً من أن يعلن إخفاقه وعجزه عنأداء العمل إذ يجعل الوقت غير كاف لإنجاز ما كلف به.والخوف من الفشلوالسقوط قد يكون موجودا ، ولكنه يكون مشكلة إذا منع من العمل والمضي قدماً لتحقيقالهدف. ومن الطرق التي نتعامل فيها مع الخوف هو النظر إلى منبع هذا الخوف هل هومبني على أساس صحيح، وتفكير منطقي مقبول أم أنه مجرد أوهام وافتراضات ليس لها أساسمن الصحة. فإنك لو رجعت إلى مشاعرك وتأملت جيداً هذه المخاوف تجدها في الغالب عبارةعن أوهام اختلقتها نفسك. فاقض على هذه الأوهام ولا تلتفت إليها. أما إذا تبينت لكصحة هذه المخاوف وأنك لن تكون قادراً على إنجازك مشروعك فيمكنك أن تأجل هذا المشروعلوقت آخر تكون الأسباب التي منعتك قد زالت، ولكن احرص على التأكيد على الإيجابياتالتي لديك وأنك قادر على عمل هذا المشروع. توكل على الله عز وجل وخذ بالأسبابالمنطقية ولا تجعل الخوف يسيطر عليك ويقود سير حياتك، واسأل نفسك دائماً : ماذايحدث لو أخفقت؟ عند إجابتك عن هذا السؤال، سوف تجد أن الأمر بسيط لا يحتاج كل هذاالخوف.ثانياً: الملل والسآمة:كثير من الأحيانلا يستطيع الشخص أن يمكث فترة طويلة من الزمن مع مشروع ما، إذ سرعان ما يعتريهالملل والضجر، فهو قد يكون تربى على التنقل من عمل إلى عمل آخر، أو من بحث إلى بحثآخر ، وفق الرغبات النفسية المتقلبة لديه. وهذا ناتج من سوء تربية، وعدم وجود الجلدوالصبر والذي يعتبر مطلباً أساساً في نجاح أي عمل أو مشروع ذي قيمة .وللتغلب على هذه المشكلة عليك أن تمرن نفسك على الصبر والتصبر وفي الحديث "ومن يصبر يصبره الله([1][1])" فالأمر اكتسابي ، ومن الأمور المساعدة لذلك جعلالحصة الزمنية في البداية قليلة للأمور التي تضجر منها ثم ابدأ بزيادة الوقتتدريجياً وبهذا لن تصاب بالملل ، اجعل ما تراه عملاً مملاً في الأوقات التي تشعرفيها بالارتياح النفسي، قسّم المشروع إلى أجزاء صغيرة فمثلاً لو كان مشروعك قراءةكتاب مهم ولكنه يصاحبك الملل فجزئه إلى أيام متعددة .
ثالثاً:عدم وجود الرغبة في هذا المشروع:إقحام النفس في عمللا تريده نتيجة حتمية ألا يكون هناك إبداع في أداء هذا العمل ؛ بل الغالب أن يصاحبهذا العمل التسويف والتأجيل . ولهذا احرص أن تحب العمل الذي تقوم به فهي نقطةأساسية لإتمام المشروع، وركيزة أساسية للاستمرار والإبداع ، ابحث في هذا العمل عنالإيجابيات لكي تكسبك التشجيع المعنوي حتى تنجز عملك، مارس أعمالاً أخرى تحبها لكييخف الضغط الذهني لديك.ابحث عن الحافز، فالحافز والدافع للعمل أمر مهملطرد الملل والسآمة . وهناك عدة طرق للتشجيع والتحفيز منها على سبيل المثال معرفةالأشخاص الناجحين والالتصاق بهم ، ادرس شخصياتهم وتعرف على صفاتهم وكيفية مواقفهمتجاه الأحداث والأشخاص ، فصحبة القدوات لها أثر كبير في تغيير السلبيات إلىإيجابيات، وكذلك انظر إلى الأشخاص الذين تكره أن تكون مثلهم وادرس عاداتهم السلبيةوتجنبها، تعلم من الطرفين لتبني ذاتك ؛ ولكن ركز على الأشخاص الإيجابيين .اتخذصديقاً معيناً لك في إنجاز أهدافك ، اظهر له أهدافك وطموحاتك ، دعه يشاركك فيالتخطيط لتحقيق ما تصبو إليه ، كن قريباً منه حتى إذا ضعفت عزيمتك وتسلل إليك الكسلأخذ بيدك إلى النشاط والقوة ، اجعله رفيق دربك فالسير وحيداً في صحراء الغربة يشعربالوحشة والخوف من المسير قدماً.رابعاً: صعوبة العمل أوالمشروع :وهذه نتيجة الاختيار السيئ منذ البدء، فالإنسان لا بد أن يعرفقدراته وإمكانيته المتاحة وواقعه، ويتعامل وفق هذه المعطيات التي لديه ، فالمبالغةفي أخذ مشاريع أو أبحاث أكبر من طاقة الشخص في الغالب أنها تبوء بالفشل، فالتدرج فيالأبحاث والمشاريع أمر أساس وضروري، إذ إن المشاريع الضخمة والكبيرة تعتمد علىتراكم من الخبرات والتي يكتسبها من مشاريع صغيرة وهي مقدمات لمشاريع ضخمة .
أساطير حول جدولة الوقت:كثير من الناس يظنونأن تنظيم الوقت يجعل الوقت مملاً، ويصعب التعامل مع الأشياء بمرونة مما يعقدالحياة، ويفقد المتعة. وهذا وهم كبير وخطير، وهو خوف مبني على غير أساس تجريبي أوعلمي وإنما تبرير نفسي للتفلت وعدم ضبط النفس، وللقضاء على هذه الإشكالية اجعلالتعامل مع الوقت أقل حزماً وشدة فاستخدم عبارات الإمكان والاستحسان، فيجدولالبرنامج مثلاً بعبارة: يفضل عمل كذا، ويستحسن القيام بكذا... وهكذا حتى لا تشعربالضغط النفسي في التقيد بالجدولة الوقتية ، ثم إذا رأى الشخص نفسه قد قويت قليلاًيستخدم العبارات الإلزامية في بعض الأحايين مثل: يجب القيام بكذا...ومقولة :أن الأشخاص المنظمين لأوقاتهم لا يجدون متعة في أوقاتهم ، وهم في حالة شد عصبي ،وهم وقلق وخوف ، الحقيقة أن العكس هو الصحيح ، فأكثر من يتمتع بالأوقات بدرجة عاليةهم المنظمون لأوقاتهم ، فهم أولاً ينجزون أهدافهم ، ويحققون طموحاتهم ، وهم فيالغالب لا يبحثون عن شيء يؤدونه ليقضون فيه أوقاتهم ، فلا تشكل لهم كيفية قضاءالوقت إشكالية ، فماذا أعمل في العصر ؟ وأين أقضي هذه الليلة ؟ وهكذا .. لا توجدهذه الأسئلة الدالة على الضياع والتيه في قاموسهم، وهذه قمة المتعة.فقدانالثقة بالذات ، يعتقد بعض الناس أن تنظيم الوقت أمر متعذر بالنسبة إليه ، فهو ليسلديه القدرات والإمكانيات التي تجعله ينظم وقته ، فتنظيم وجدولة الوقت مخصوص بفئةمعينة من الناس ، وخصوصاً في هذا العصر فالواجبات كثيرة ، ومتطلبات الحياة فيازدياد .والحقيقة أن العكس قد يكون هو الصحيح ، وأن فئة من الناس لا تستطيع أنتجدول وقتها كالجاهل والمريض ، أما أكثر الناس فهم قادرون على تنظيم أوقاتهم ،فتنظيم الوقت هو مسألة قرار ثم تتخذ الوسائل والطرق المعينة إلى تنظيم الوقت ، وقديكون هناك ضغوط خارجية تمنع من استغلال الوقت ولكن ببعض التأمل والتفكر في هذهالعوامل الخارجية وإيجاد نوع من الترتيب والتحكم تستطيع أن تتجاوز هذه المقاطعاتوالصوارف، وقصة ابن الجوزي وكيفية استثماره للوقت مع وجود القواطع يدل على تعلمهكيفية العمل برغم هذه القواطع ، إن محاولة القضاء على الشواغل أمر متعذر ولكنتقليلها وكيفية التعامل معها أمر ممكن ، وهنا يحسن الاطلاع على بعض المؤلفات التيتبرز أهمية الوقت وكيفية التعامل معه.
الإفراط في التعقيد ، فتنظيم الوقتلدى البعض يعني جدولة كل دقيقة يومياً والتقيد بها، وهذا مفهوم خاطئ ؛ بل يعسرتطبيق ذلك ، فكثير من الأحيان لا تسير الأمور وفق ما نريد ، فتأتي بعض الأحداثاليومية ليست على بالنا كما قال الله تعالى(يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِوَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (الرحمن:29) ؛ وإنما المقصود من الجدولةهو أن يكون يومك مليء بالعمل المثمر ، بدون ضغط أو إجهاد ، مع إنه لا بد أن يكون فيالجدولة أوقات قليلة تترك عفوياً حتى لا تصاب بالملل والسآمة.
لمح حول جدولة الوقت:عند عملك مشروعاً ما لا تنظر إلى الوقتولكن التفت إلى الفعالية، فالفعالية والإنتاجية هي الهدف الأساس، فليس صرف وقت أكثرهو الهدف وإنما الهدف هو صرف وقت أقل مع أكثر إنتاجية وفعالية. وهنا ينبغي معرفةالطرق الصحيحة لإنجاز العمل كالقراءة مثلاً يجب معرفة الطرق المثلى في القراءةوهكذا.لا تقض وقتاً طويلاً لعمل أشياء صغيرة، وازن بين الوقت والعملالمطلوب.ليكن لديك زمن يومي محدد لا تسمح لأحد فيه بأن يزعجك، تجنب الردعلى الهاتف، أو تصفح الإنترنت، أو الجلسة مع الأسرة ، وإنما اجعل هذا الوقت لمعالجةأهم الأشياء لديك والمدونة في جدولك.مع زحمة الحياة يكون من السهولة السقوطفي فخ النسيان ، وقد تتذكر ما تريد عمله ، ولكن الجدولة تذكرك في الوقت المناسب ،الجدولة طريقة لإراحة الذهن من عناء التفكير والتذكر.